ذكريات من زمن الماضي

par Rui Ornelas

par Rui Ornelas

الساعة قد قاربت الواحدة صباحا من يوم سبت دافئ بيضاوي، بنسمات صيف حل قبل ستة أيام ، من بعيد صوت المذياع يبث سهرة الأسبوع مباشرة التي أوشكت على النهاية، الشارع شبه فارغ إلا من بعض الشباب الذين تجمهروا حول المصباح الذي ينير الزقاق، يتداولون أخبار الرياضة، و انتصارات المنتخب، و مشاغل الحياة بحذر تام من الدخول في متاهات السياسة فقد  حرمت منذ زمن غير بعيد بأمر من الحاكم…….

شوارع البيضاء على حالها تتشابه فهي شبه فارغة، لا يكسر صمتها إلا ترنحات بعض السكارى، كانت الساعة قد اقتربت من الثانية صباحا و الألم اشتد عليها، زوجها كان نائما تحسبه غائبا عن الوعي من شدة تعب يومه ، أيقظته بصعوبة بالغة أخبرته بأن المخاض قد حان موعده، وبأنه اليوم الموعود لاستقبال طفل جديد إلى الوجود سيكون حظه أن جاء في الرتبة الثالثة، عندما سمع الخبرقام مسرعا ارتدى ثيابه، وتوجه نحو الباب لكنه نسي مفاتيح سيارته، فعاد مسرعا و في فمه ابتهالات و دعوات بأن يمر كل شئ بسلام،

أوشكت الساعة أن تصل الثالثة صباحا، ترقب من الأب الموجود بالخارج لا يقطعه إلا صوت طفليه اللذين استيقظا على سماع أصوات صراخ لم يتعودا عليها، احتضنهما بقوة و لاعبهما فهما لا يعرفان شيئا، دقت الساعة الثالثة و بها خرجت صرخة صغيرة يعلمها جيدا، إنها الاعلان عن استقبال مولود جديد إلى هذه الدنيا، ذهب مسرعا باتجاه الباب، خرجت والدة زوجته لتخبره بأن المولودة فتاة، شكر ربه و حمده على نعمة العطاء،

لم يبقى سوى ثلاثة أشهر على استقبال العام الجديد و توديع سنة ماضية، إنه شهر سبتمبر، إذن موسم بداية الدراسة، صغيرة كانت تبدوا، حتى أن مدير المدرسة كان قد حاول إقناع والديها بجعلها في الحضانة، لكن إصرارهما بأن تلتحق بالقسم الأول الابتدائي، جعله راضخا، مادامت مدرسة خاصة فرغبات الآباء في المقام الأول، هكذا كانت تقول الأم للأب: حنا كنقريوا والدنا في مدرسة حرة، على قبل يربحوا أعوام زايدة و تكون عندهم لغة فرنسية زوينة، نتا عارف السياسة التعريبية خرجات على ولاد الشعب ، الله يسمح لي داروا لينا هاذ القرار، ينهرها الأب بشدة: هدري بشوية، واش بغيتي يسمعنا شي حد نصدقوا واحلين هنا، أنا ما في لي يمشي يغبر تحت الأرض، تضحك و هي العاشقة المغرمة بكتاب ذاكرة الملك، الانتقاد لا يعني التمرد، را لكل نظام أخطائه لي خاصوا ينتابه ليها، ثم تغير الحديث نحو موضع آخر لا علاقة له بالأول، فيثير ذلك استغراب الأب لقدرتها على التغيير و الربط بين المواضيع، ثم ما يكاد حتى ينغمس معها في الحديث،
مدرسة الأمين الحرة، كان اسمها لامعا و كانت معروفة جدا خصوصا بين أبناء الحي الذين لا ينتسبون لها إلا قليلا، مما جعلها و إخواتها يصبحون من مشاهير الحي الذين لا يستطيع أحد الحديث معهم، إلا نادرا و أشد ما كان يزعجها هو منع أبيها فرصة الاختلاط معهم، كأنهم ليسوا ببشر، لم تكن تفهم لماذا هذا التعامل معهم، و كانت تسأل أمها كثيرا كلما أحست بنظرات أولاد الجيران التطفلية حولها: ماما علاش ما كيخليناش بابا نلعبوا مع ولاد الجيران، أنا ديما كنشوف البنات كيلعبوا، تجيبها الأم بحنان: ياك بابك فيما كيسالي كيخرجكوم، تجيب الطفلة بعفوية: وي، لكن الأم تقطعها: أصلا ما بقى والو لصيف و تمشي لدار جداك باش تلعبي مع صحباتك تماك، واش ماتوحشتيش صفاء و إلهام، ترد بعفوية طفولية: وي بزااااف،،،،،،،،،،،
ما كان يزيد الطين بلة، هذا التناقض، لماذا يمنع عليها الاختلاط مع أبناء الحي، و يسمح لها باللعب مع أولاد جيران منزل الجد، كانت تحب أن تعامل بتميز لكن تكره أن تحس الوحدة، لكن ما حاول الأب إيقافه تحقق بعد ولوجها المرحلة الاعدادية،،،،،،،
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
إنه صيف حار و كئيب،، الأعلام نكست و الحزن كان يمتد في ربوع المملكة الحزينة بوفاة حاكمها، انتظرت بفارغ الصبر نهايته، فقد حرمت من زيارة البحر،لذلك كان بداية الموسم الدراسي بمثابة حلما أرادت تحقيقه، فهي مقبلة على مرحلة جديدة، كانت تسمع عنها من إخوتها، كانت تريد أن تصبح تلميذة في الاعدادية القريبة من مسكنها، أحزنها اختيار مدرستها الابتدائية لإعدادية بعيدة عنها بشكل جعلها تذرف الدموع الغزيرة: أنا ماغنمشيش لي هاديك الكوليج واش باغين تقتلوني را بعيدة بزاف، ماما عافاك أنا باغا نقرا في وحد قريبة، خبيثة هي ، لم ترد إعلامهم بإسم الاعدادية التي ترجوها، لأن الرفض سيكون قاطعا، أجابتها الأم: واخا أبنتي، أجي نتي باباك ماعمروا رفض ليك شي حاجا، يقطع الحديث ضحك أخيها المشاغب: بصح حيث كتشبه لجدة الله يرحمها، وراكذبوا عليه و منين جاتها، شوفي عنداك يجبوك في الكوليج معايا را ماغنتسواقش ليك أنا، توبخه الأم: واخا عليك أ ياسين هادشي لي كتقولوا لختك، و نتا أخر واحد نجيبوكمعاها نسيت أش دارتي نهار بقيت غير نتا و ياها في المدرسة، كنت كتلوح ليها الكارتابل ديالك و كتبقى تلعب مع صحباك و لي كتعرف راسك تعطلتي كتبدا تجري بيها الدروبا، يجيبها بابتسامة خبيثة: نوووووووو ماشي أنا هادي را ختي، و منين أماما جبتي هاد الهضرة، تجيبه :شافتك جارتي اللانزهة وقالتها ليا،،،،،
مرت الأيام و التحقت بالاعدادية التي رغبت فيها، و عاشت فيها من العجب الذي جعلها تعيش الحياة لأول مرة بحلوها ومرها، فلم يعد هناك أسوار تمنعها من كشف المجهول، أشد ما كانت تعانيه عدم فهمها لبعض الكلمات، تتذكر جيدا اليوم الأول من التحاقها بها، كانت كالغريبة فمعظم أصدقائها في المدرسة الابتدائية انتقلوا إلى مدارس قرب مساكنهم، دخلت القسم ليقوم الأستاذ بانتقال بين الصفوف قصد التعرف على التلاميذ، فسألها: أشمن مدرسة جيتي، أجابته: مدرسة الأمين الحرة، استغرب قائلا: واش هاديك نيت لي في الفيلات، أجابته: نعم، فرد عليها: رائع، و لكن أش جابك أبنتي مع هادوا، استغربت في بادئ الأمر، لكنها علمت بأن ما ينتظرها لن يكون بالأمر الهين،
عاشت ثلاثة سنوات جعلتها تفهم بشكل ساذج بأن المجتمع الذي تعيش فيه ليس نظيفا، إنما هو فاسد حتى في أشد أنظمته و هو النظام التعليمي، عاصرت فتيات و فتيان في مقتبل العمر ذنبهم الوحيد أنهم عاصروا مجتمعا متخبطا بين قيم الماضي و الانفتاح نحو المستقبل، ينشدون الانفتاح و تحقيق أحلامهم الوردية، فغرقوا في متاهات الفساد الأخلاقي، أبطاله المشاركون غياب رقابة الآباء بسبب انشغالهم، أو في أغلب لكونهم أيضا نتيجة مجتمع فاسد،

كل هذه الذكريات جاءتها كمشاهد مصورة في رأسها، وهي تمر بالقرب من سور الاعدادية التي شهدت على لحظات بداية تأملها الفعلي للحياة، ظلت تراقب السور أملا في المزيد من الذكريات، لكن صراخ الأطفال من حولها و ضجيجهم الذي ملأ المكان جعلها تستيقظ من دوامة الماضي، نظرت صوبهم بإمعان، خاطبت أحدهم: واش نقدر نلعب معاكم، أجابها ببراءة الطفولة: واش كاتعرفي لكاري، أجابت: نعم و انخرطت في اللعب و هي لا تبالي،

Asmaa Elbaamrany,
26 ans prof de philosophie au ministre d éducation et étudie aussi à la fac de lettre et science humaine ben msic